الاثنين، 19 ديسمبر 2011

الصمت وحفذ السان















الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



الصمت وحفظ اللسان



قال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. سورة النور. وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".



متفق عليه. معنى هذا الحديث أنه من كان يؤمن الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله والموصل إلى رضوان الله فليقل خيراً أو ليصمت لأن من آمن بالله حقاً خاف وعيده ورجا ثوابه واجتهد في فعلِ ما أمره به وتركِ ما نهاه عنه، ومن ذلك ضبط جوارحه التي هي رعاياه وهو مسئول عنها كما قال الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}. سورة الإسراء.



وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" رواه الترمذي. فمن علم ذلك لا يسعه إلا تقوى الله فلا يتكلم إلا بخير أو ليسكت.



وهذا اللسان الذي هو من نِعم الله علينا، ينبغي أن يستعمل في ذكر الله وطاعته وفي الحث على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي كل ما يعود على الناس بالنفع والخير. وأما من يطلق العنان للسانه ويسترسل في المعاصي وإيذاء الآخرين به من غيبة وشتم وسب ولعن بغير حق فإنما يوقع نفسه في المهالك.





أشد معاصي اللسان



ولا بد من أن نذكر أن أشد معاصي اللسان وأخطرها على الإطلاق الكفر كسبّ الله وسب الأنبياء والملائكة ودين الإسلام وسب القرآن وتحليل أمر حرام معلوم من الدين بالضرورة أنه حرام كمن يقول عن شرب الخمر أو عن الزنا إنه حلال.



ومعنى "أمر معلوم من الدين بالضرورة" أي أمر ظاهر بين المسلمين يعرفه الجاهل والعالم من المسلمين. ولقد اهتم العلماء بالتحذير من الكفر القولي ومن سائر أنواع الكفر ونصوا على ذلك في كتبهم، ومن هؤلاء الإمام النووي رضي الله عنه والشيخ عبد الباسط الفاخوري رحمه الله تعالى الذي كان مفتياً منذ نحو مائة سنة.



وقد ثبت عن أحد الصحابة وهو عبد الله بن مسعود أنه أخذ بلسانه وخاطبه: يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أكثر خطايا ابن آدم من لسانه".رواه الطبراني. ومن هذه الخطايا الكفر والكبائر.



وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب". رواه البخاري ومسلم.





الردة ثلاثة أقسام



والردة أي الخروج من الإسلام. قال الله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. سورة البقرة.



والردة ثلاثة أقسام: كفر اعتقادي وكفر فعلي وكفر قولي كما قسّمها النووي وغيره من شافعية وحنفية ومالكية وغيرهم وذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها في النار سبعين خريفاً". رواه الترمذي.



أي مسافة سبعين عاماً في النزول وذلك منتهى جهنم وهو خاص بالكفار. ومعنى "لا يرى بها بأساً" أي لا يرى بها ضرراً. فبعض الناس الذين لا يبالون ولا يهتمون بضبط ألسنتهم وحفظها عن الكفر يسارعون إلى التسخط على الله عند أي حادث يقع لهم أو مصيبة تحل بهم وهم في الحقيقة يوقعون أنفسهم في الكفر الذي هو أكبر ذنب وهو الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}. سورة محمد.



فماذا يجني هؤلاء الهالكون المتهورون حين يسبون الله ويستهزؤن بالأنبياء والملائكة والشرع الحنيف، إنما يكتسبون الخطيئة وفيها المذلة والمهانة والخسران. قال الإمام الغزالي رضي الله عنه: "اللسان جِرمه صغير وجُرمه كبير" وقيل: "مَثَلُ اللسان مَثَلَ السبع إن لم توثقه عدا عليك". وقيل للإمام ذي النون المصري "من أصون الناس لقلبه" قال: "أملكهم للسانه".



وعلى العاقل أن يفكر في قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (سورة ق) فإنّ من فكر في ذلك علم أنّ كل ما يتكلم به من الجد والهزل والغضب يسجله الملكان فهل يسرُّ العاقل أن يرى في كتابه حين يُعرض عليه يوم القيامة هذه الكلمات الخبيثة؟ بل يسوؤه ذلك ويحزنه حين لا ينفع الندم. فليعتن بحفظ لسانه من الكلام بما يسوؤه إذا عُرِضَ عليه في الآخرة.



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَصلتان ما إن تجمَّل الخلائقُ بمثلهما حسنُ الخلق وطول الصمت" رواه ابن ابي الدنيا في كتاب الصمت.





التحذير من الكفر



أخي المسلم، ينبغي على كل عاقل أن يستعمل نعمة اللسان التي أنعم الله بها عليه في قول الحق وذكر الله وتلاوة القرآن وفي الطاعات والخيرات حتى يُنور قلبُه وتنجلي عنه الظلمات التي تأتي من كلام الشر وقول الباطل.



وكما أن السكوت في وقته صفة حميدة كذلك فإنّ الكلام في موضعه خصلة محمودة. وأما الذي يطلق للسانه العنان ويتكلم بالباطل والزور والبهتان وقول الحرام ويشتم ويكذب وإذا ما سمع الكفر بأذنيه تراه يسكت عن إحقاق الحق وإنكار المنكر مع قدرته عليه إنما يسعى إلى حتفه وهلاكه.



أخي المسلم، إنّ التحذير من الألفاظ التي تدل على الاستهزاء بالله ورسله وملائكته ودينه والتي توقع الشخص في الكفر ليس أمراً مستحدثاً في هذا الزمن، بل إنّ الأئمة الأفاضل والعلماء الأجلاّء وأهل الحق منذ مئات السنين كانوا يحذرون من الكفر في مجالسهم وكتبهم ويولون ذلك الاهتمام الكبير، وأما الذين يعيبون في هذا الزمن على الدعاة المخلصين الصادقين الذين يحذرون من الكفر فنقول لهم عودوا إلى رشدكم واتقوا الله فيما تقولون وارجعوا إلى كتب العلماء ومؤلفاتهم تجدون فيها الرد الشافي على ما تقولون والجواب على ما تتوهمون.



وقد قال ابن حِبَّان: "يا ابن آدم انصف لسانك من أذنيك واعلم إنما جعل لك لسان وأذنان لتسمع أكثر مما تقول".



اللهم إنا نسألك أن تبعدنا عن الكفر والفسوق والفجور والكلام الفاسد ونسألك أن تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق